” يهود الناصرية ” حكاية لم يبقى منها الا ذكريات


 غدير الابراهيمي // 

كواحدة من الاقليات المؤثرة في مدينة عرفت الكثير من الاديان والاقوام منها ما اندثر ومنها ما زالت تعتز المدينة بوجودهم فمنذ تأسيسها كانت الناصرية او مدن محافظة ذي قار جنوب العراق موطنا لعدد ليس بالقليل من الاقوام والاقليات الدينية قد يكون اولها السومريون انفسهم حيث مازال اصلهم غير معلوم حتى هذه اللحظة ويميل الكثير من الباحثين الى انهم اقوام هاجروا من نواحي القفقاز شمال وسط اسيا اومن الخليج ربما ولكنهم على اي حال مهاجرين استوطنوا ارض   بها الكثير من القار والزرع والمياه حتى سميت بذي قار ،سكنها الاراميين فيما بعد ولم تخلوا من اكراد فيلية مازال القليل منهم في الشطرة ثم استوطنها العرب وعدد من اتباع المذاهب الاسلاميةابرزهم الشيعة الامامية ولكن مع ذلك فقد حافظت المدينة على تنوعها المذهبي والاثني فبقي فيها حتى نهايات العقد الرابع من القرن العشرين و اكثر من ذلك مسيح وصابئة الاقلية الاكثير اهمية في جميع مدن جنوب العراق .

ولكن لليهود حكاية فهم من اوائل الاقليات الذين هاجروا الناصرية ولم يعد لهم فيها وجود تبعا لتقلبات السياسة وويلاتها يقول الاديب والكاتب الاستاذ احمد الباقري لجريدة ( الناصرية اليوم )   كان الكثير من اليهود في الناصريه قبل سنة 1948 وهي السنه التي هاجر فيها اليهود الى فلسطين وبقي القليل منهم وكان معظم اليهود الذين كانوا في مدينة الناصريه يعملون بتجارة الاقمشه والصيرفه والكثير من الصيارفه كانوا من اليهود ومن اشهر هؤلاء الصيارفه هو حسقيل الذي كان مكتبه في شارع الجمهوريه الحالي مجاور محل “باتا ” للاحذيه وهناك بعض اليهود كانوا معلمين في المدارس وهم بشكل عام كانوا على جانب كبير من الثقافة واغلبهم متعلمين  وكان اغلب المعلمين اليهود يدرسون اللغه الانكليزيه والرياضيات حيث كانوا بارعين في التدريس بهذه الماده واتذكر عندما كنت طالبا في المدرسه المتوسطه وكنت اذهب الى المدرسه صباح يوم السبت كان احد اليهود يخرج من بيته ويطلب مني ان ادخل الى البيت لاشعل له الطباخ لان من عاداتهم لايشعلون النيران يوم السبت وكانوا يمارسون طقوسهم الدينيه بكتمان شديد بالاضافه الى انهم كانوا يحترمون المسلمين الذين يعتبرونهم مثل اخوانهم في ذلك الوقت في الحقيقه كان اليهود لهم فضل كبير على الاقتصاد الوطني وقد رحل معظمهم وبقي منهم شخص اسمه ابو شالوم وكان يعمل بتصدير الصوف الى معمل فتاح باشا في بغداد وقد عملت معه كاتب في محل تنظيف الصوف وكان لديه عاملات عراقيات ينظفن جزات الصوف وبعد ذلك يغسل هذه الجزات ويرسلها الى معمل فتاح باشا.بقي الى سنة 1953بعد ذلك سافر الى ايران ومن هناك الى اسرائيل .

ليس هناك بحث واقعي دقيق عن بداية هجرة اليهود الى الناصرية وهناك بحوث عن الوجود اليهودي في العراق بشكل عام ويقول  الباحث حسن علي خلف ان وجود اليهود في ارض الرافدين قديم جدا منذ السبي البابلي الاول والسبي البابلي الثاني فهم من سكان العراق القدماء وامتزجوا بكل الحضارات التي طرأت على العراق سواء كانت الحضارات الغازيه او الحضارات الوطنيه بمعنى الحكومات الوطنيه او المجاميع الغازيه امثال اللوبيين البوذيين الحوثيين والكاريكارزوا وما الى ذلك من الاقوام التي استعمرت العراق لانه كثير الخيرات واستخراج القوت فيه لايحتاج الى الكثير من العناء لذلك كانت هذه الاقوام طامعه في العراق سواء كان من الهضبه او الجزيره العربيه او من هضبة المغول واصبح العراق مسرحا لكثير من الاقوام والامم فاليهود تعايشوا مع هذه الاقوام ومع هذه الامم كسكان اصليين حيث بعد السبي البابلي لم يغادروا اغلبهم الى ديارهم في فلسطين لانهم سيطروا واطلقوا الاحكام على فلسطين ومنعوهم من العوده الى فلسطين لذلك الذي رجع الى الجزيره العربيه مثل بني قنيقاع وبنو قريضه ومن سواهم في العراق هم مواطنين اسوة بالمواطنين العراقيين وبعد حرق المراحل في الحقيقه كانوا تحت رعاية الدوله الاسلاميه في العراق سواء كانت الامويه او العباسيه ،في عهد  الحكم الوطني الذي جاء نتيجة لثورة العشرين سنة 1921 حيث فصل لنا الانكليز ملكا على مقاساتنا لينفذ مصالحهم في بريطانيا لانه لم يجدوا في الخامات العراقيه مايناسب مصالحهم من القاده والامراء الذين كانوا قد رشحوا انفسهم لملكية العراق امثال عداي الجرياني عجيل الياور وطالب النقيب وسالم الخيون والخضيري وما الى ذلك استقر العراق بعد ثورة العشرين وبعد انتهاء الانتداب ب 32 في الحقيقه اليهود في العراق هم يديرون الاقتصاد ويديرون المال بيدهم الحرفه والمهنه ورؤوس الاموال بحيث انه اول وزاره عراقيه كانت لحسقيل اول وزير عراقي يهودي ادار الاقتصاد بشكل رائع جدا كان حالهم الى جانب العراقيين الاخرين حال طيب لان الانكليز كانوا يعتمدون عليهم لقرب الديانات ويعتمدون على النصارى بشكل كبير بحيث شكلوا مايسمى بالجيش البيلي لمساندتهم ودلالاتهم على تفاصيل عمق العراق لكي يستعملوا احتلاله وكان الجيش البيلي ذائع الصيت العراقيين الشكل من الاشورين الان الذين يتشدقون بالوطنيه ويقولون نحن الوطنين بل كانوا ادلاء خيانه للقوات الانكليزيه التي نزلت في الفاو سنة 1914 في 6 تشرين الثاني اليهود سكنوا العراق وكل المحافظات ومنها محافظة المنتفج ومحافظة الناصريه وكان لهم امتداد قبل مدينة الناصريه سنة 1869 كان لهم امتداد في امارة المنتفق وكانوا الرجل الثاني بعد الامير لانهم كانوا يمسكون المال والسجلات والحسابات وكل الايرادات والضرائب ينظموها لامراء المنتفق لانهم اصحاب الصيرفه والامور الحسابيه وذو رؤوس اموال ولو ان العراق الان فيه يهود للمرتبه الاقتصاديه بهذا الشكل لانهم ناس ينظمون الاقتصاد بشكل عجيب وهم الان يسيطرون على رأس مال العالم فكان وجودهم في مدينة الناصريه الى جانب العديد من الاقليات الاخرى يمتد منذ امارة السعدون وامارة المنتفق التي انشأت بوقت مبكر في هذه البقاع في جنوب العراق وتوالى على قيادتها العديد من الامراء والعديد من الاسر منهم مثلا ال طوال ال راشد ال سعدون بالمرحله الاخيره الى ان سقطت سنة 1881 في معركة الريس الناصريه انشأت سنة 1869 بالاتفاق بين ناصر هاشم سعدون ومدحت باشا الوالي العراقي المصلح الذي جلبته الدوله العثمانيه للعراق لتدهور الحاله المعاشيه والاقتصاديه والسياسيه في العراق ولكثرة الحروب جئ بهذا الوالي .

 

هل كان لليهود دور في تأسيس ا لناصرية ؟

 يعطي الباحث حسن علي خلف  دورا محوريا في تأسيس الناصرية حيث يقول “ قدر تعلق الامر باليهود في الناصريه هي مدينه وضعت خرائطها على الارض وخططت بواسطة المهندس جولي ستيلي بصرف من المحاسب حكمت الله اكوب جيان الذي جلب معه العديد من اليهود لانهم اصحاب تجاره لانها مدينه مركز استقطاب لكثير من الشغيله القوم المحيطين بالمدينه كانوا يترفعون لذهاب الى المدينه للاشتغال بها بحكم تركيبهم العشائري لذالك اضطر ناصر باشا وحكت الله اكوب جيان والمحاسبين الاخرين الذين عينهم مدحت باشا الى جانب 1500 عامل من انحاء العراق وخاصة مدينة نينوى وكركوك والسليمانيه والرمادي ومن بغداد وباقي المدن من المنطقه الغربيه في العراق فكان العاملين في تلك الحقبه في انشاء مدينة الناصريه هم غرباء عن المدينه لذلك هم الان من السكان الاصليين في المدينه وفيهم اللقب العاني والدليمي والسامرائي والشري تبعا لالقاب المنطقه الغربيه لكن الدور الاساس كان لهؤلاء العمال والمدينه بدأت تنمو وبدأت تتضح معالمها على الارض وبدأ البناء يشمخ حيث بدأت ب 7 شوارع ابرزها الحبوبي وشارع عكد الهوا وهذه الناس والعمال يحتاجون الى مسكن ومأكل وملبس وكل مستلزمات الحياة هذه كانت توفرها اليهود فكانوا هم اصحاب الحرفه والاقتصاد والاسواق رغم ان حكمت الله اكوب جيان بنى الحمامات وجعل الناس تدخل اليها مجانا وبنى بعض البيوت في مدينة الناصريه واعطاها للذي يريد السكن الا ان سكان المنطقه يترفعوا عن الدخول للمدينه الا لبيع منتوجاتهم او السكن داخل المدينه او الاشتغال في المدينه فكان كل العمل للعمال الوافدين واليهود الذين يديرون الاسواق ورأس المال فمنهم القماشين ومنهم المعلمين والحدادين واصحاب التجاره والحلاقين ومنهم اصحاب الحمامات لان ذلك جميعه استثمار لليهود بذلك هم فتحوا الاسواق وحتى الحانات والمشروبات. في الحقيقه برز منهم العديد من الاسماء وشكلوا تنظيما اجتماعيا وكانت لهم ثورات الثورات الان هي مقر جامع الشيخ عباس لشارع الاطباء الان وكان رئيسهم حنانيه ابو الياهو وزعيم طائفة اليهود في الناصريه وكل تفاصيل الحياة والسلوك اليومي والحياة المعاشيه اليوميه في مدينة الناصريه في بداية نشوئها كان المسيطرون عليها هم اليهود استمروا يتعايشون مع الناس بعلاقه طيبه الى جانب الصابئه والنصارى الذين جاءوا الى الناصريه بعد ذلك فكانت معايشه تحكمها المواطنه ويحكمها تبادل المنفعه وادارة المال والعلاقات الحميميه حيث كانوا يشاركون في الافراح والاعياد واقامة العزاء واقامة الفواتح وكانوا يغلقون محلاتهم في مواسم العزاء والمناسبات الدينيه الاخرى بل كانوا يشاركون في مواكب اللطم للعزاء الحسيني ويتبرعون بالمال لغرض المواكب التي هي من فعاليات المسلمين هم كانوا يتعايشون معنا الى ان جائت سنة 1948 والحرب التي انتصر فيها العرب والهجره الصهيونيه الرهيبه التي كانت تملي على كل يهودي ان يهاجر البلد الى قلب فلسطين في الحقيقه بكوا بدموع من دم كانت تسيطر عليهم الحسره والندم وتركوا اموالهم قسم منهم وهبوها الى الصابئه وقسم وهبوها الى مواطنين جيرانهم ومنهم وهبوها الى الاوقاف ومنهم رجعت اموالهم الى الدوله وكانوا قد ارتحلوا من العراق او من الناصريه بحميمة العلاقه مع اهل الناصريه كانت تحرقهم نار الفراق

جامع اهل البيت هل كان كنيسا لليهود ؟ 

قال لنا شيوخ منطقة وسط الناصرية ومجاور جامع اهل ا لبيت حاليا انها مناطق كان فيها عدد كبير من اليهود حتى ان كنيسهم كان يرتفع هنا في مكان بناء جامع اهل البيت حاليا ويقول الاستاذ علي خلف عن سكناهم “ اما سكناهم فقد كانوا يسكنون في البيوت في الشارع المجاور لجامع اهل البيت الحالي وكانوا في قلب المدينه وليس بالاطراف كان الجانب الشرقي للصابئه اما اليهود في قلب المدينه وافضل الحارات وافضل البيوت التي كانت تمتاز بالشناشيل المميزه وافضل الاسواق لهم لانهم كانوا اصحاب مال وهم يديرون العمليه الاقتصاديه داخل البلد وهم يسكنون المناطق او الحارات التي انشأت بداية نشأة مدينة الناصريه مثل حارة السراي وجامع صالح باشا ومحلة السيف وبعد ذلك انشأت محلة الشويج هذه المحلات التي كانوا يسكنوها لانهم دائما يكونون قريبين على المناطق الحضاريه قربها المياه والمناظر الخلابه وهم قوام وعماد الاقتصاد في المدينه وحتى اسعارهم كانت رخيصه جدا

ويتكلم الاستاذ خلف عن عاداتهم في الناصرية  لهم اعياد ولهم صوم وطقوس وكانوا مغلقين جدا لم يطلع احد على طقوسهم ولم يسمح لاحد ان يطلع عليهم مهما كانت درجة الصداقه بينهم حيث انهم الوحيدين الذي كتب الله عليهم يوم السبت عطله ومن عاداتهم ايضا لايشعلون النيران يوم السبت ولا يأكلون اللحم ايام الخميس

من ابرز تجار اليهود حاييم الصراف من المسيطرين على رأس المال خضوري هارون الذي يعمل في تجارة الصوف والنفط والقماش ساسون عكه وسيمون ابو موشي تاجر الشماغ وصهيون ابو يعقوب في تجارة الاحذيه والياهو ابو دوبين تاجر سكر وشاي مير ابو صبيح تاجر المشروبات ومنهم موظفين في الماليه منهم خضوري بلبولي سلمان اسحاق تاجر مكائن زراعيه كرجي قماش حسقيل افندي مأمور بريد وتجارة الاسلحه من اختصاص يوسف وكان منهم المعلمين امثال سلمان كوهين

وقد صادرت الحكومه املاك هؤلاء اليهود واصبحت تابعه الى دائرة الاوقاف وكانت سنة 1953 هي السنه التي خرج فيها اخر يهودي من مدينة الناصريه .


post-edit

ليست هناك تعليقات: